![]() |
خلال الأسابيع الأخيرة اهتزت أسواق المال العالمية بخبر استحواذ الحكومة الأمريكية على حصة تقارب 10% في شركة إنتل أحد عمالقة صناعة الشرائح والمعالجات هذه الخطوة لم تأتِ من فراغ بل جاءت في وقت يشهد فيه العالم سباقاً محموماً نحو السيطرة على صناعة أشباه الموصلات التي أصبحت أشبه بالنفط الجديد للاقتصاد العالمي
إنتل التي تأسست عام 1968 لعبت دوراً محورياً في رسم ملامح ثورة الحواسيب والهواتف الذكية ومراكز البيانات ومع ذلك فإن دخول الحكومة الأمريكية كمساهم مباشر في الشركة يعكس أبعاداً سياسية واقتصادية وأمنية تتجاوز مجرد استثمار مالي
لماذا استحوذت الحكومة الأمريكية على حصة في إنتل؟
قد يتساءل البعض لماذا تلجأ الولايات المتحدة الدولة التي طالما دعمت القطاع الخاص إلى امتلاك حصة في شركة تجارية كبرى مثل إنتل؟
الأمر له عدة أبعاد:
تعزيز الأمن القومي:
صناعة المعالجات الدقيقة أصبحت العمود الفقري للتقنيات العسكرية والذكاء الاصطناعي والطائرات بدون طيار وحتى أنظمة الاتصالات امتلاك نفوذ داخل أكبر مصنع أمريكي للمعالجات يعني حماية هذه الصناعة من أي محاولات اختراق أو استحواذ أجنبي
مواجهة الصين:
لا يخفى على أحد أن الصين تسعى جاهدة لتحقيق الاكتفاء الذاتي في أشباه الموصلات ولأنها أكبر منافس استراتيجي للولايات المتحدة فإن الأخيرة تريد ضمان بقاء شركاتها الرائدة مثل إنتل في موقع متفوق
تحفيز الاستثمار المحلي:
إدارة الرئيس الأمريكي تعمل منذ سنوات على تشجيع إعادة تصنيع الشرائح داخل أمريكا بدلاً من الاعتماد على آسيا خاصة تايوان وكوريا الجنوبية امتلاك حصة في إنتل يضمن تسريع هذه الجهود
حماية الوظائف:
مع استثمار مليارات الدولارات في بناء مصانع جديدة فإن الحفاظ على استقرار إنتل يترجم إلى خلق مئات الآلاف من فرص العمل للأمريكيين
تأثير هذه الخطوة على سوق التكنولوجيا العالمي
استحواذ الحكومة الأمريكية على حصة في إنتل ليس خبراً عابراً بل هو حدث يعيد رسم خريطة المنافسة في صناعة التكنولوجيا
ثقة المستثمرين: دخول الحكومة كطرف يعني أن الشركة ستحظى بدعم طويل الأمد مما يزيد من ثقة المستثمرين المحليين والعالميين
منافسة شرسة مع AMD وNVIDIA: الدعم الحكومي قد يعزز قدرة إنتل على تطوير شرائح أكثر تطوراً مما يشكل ضغطاً على منافسيها المباشرين
ضغط على الشركات الآسيوية: شركات مثل TSMC التايوانية وسامسونج الكورية ستشعر بالضغط إذ أن المنافسة لم تعد فقط بين شركات خاصة بل دخلت الحكومات في اللعبة
انعكاس على أسعار الأجهزة: على المدى البعيد قد يؤدي دعم الإنتاج المحلي إلى استقرار أسعار الحواسيب والهواتف والأجهزة الإلكترونية
علاقة الاستحواذ بمبادرة CHIPS Act
قبل سنوات أطلقت الحكومة الأمريكية قانون الرقائق CHIPS Act الذي خصص مئات المليارات لدعم صناعة أشباه الموصلات داخل الولايات المتحدة دخولها كمساهم في إنتل ليس سوى امتداد لهذه السياسة لكنه يعكس جدية أكبر إذ لم تعد المسألة مجرد دعم مالي أو إعفاءات ضريبية بل أصبحت مشاركة فعلية في الملكية
كيف ستستفيد إنتل من هذه الشراكة الحكومية؟
تمويل ضخم للبحث والتطوير:
إنتل بحاجة لاستثمارات ضخمة لتطوير معالجات بتقنيات 3 نانومتر وما بعدها الدعم الحكومي سيختصر الطريق
ضمان العقود الحكومية:
شركات التكنولوجيا الأمريكية تتنافس على عقود ضخمة من وزارة الدفاع ووكالة ناسا وإنتل الآن في موقع مميز للحصول عليها
بناء مصانع داخل أمريكا:
الشركة أعلنت سابقاً عن خطط لبناء أكبر مصنع شرائح في أوهايو مع دعم حكومي مباشر من المتوقع تسريع المشروع
انتقادات محتملة
بالطبع لم تمر الخطوة دون انتقادات البعض يرى أن تدخل الحكومة في الشركات الخاصة قد يضر بالمنافسة الحرة وهناك من يخشى أن يؤدي النفوذ الحكومي إلى تقييد إبداع الشركة أو فرض أولويات سياسية على حساب التطوير التقني
كما أن هناك جدلاً حول تأثير هذه الملكية على العلاقات التجارية مع أوروبا وآسيا خصوصاً وأن إنتل لديها استثمارات ضخمة خارج أمريكا
المستقبل هل نرى شركات أخرى تنضم للقائمة؟
من غير المستبعد أن تتوسع الحكومة الأمريكية في استثماراتها داخل شركات أخرى في مجال الشرائح أو الذكاء الاصطناعي ما حدث مع إنتل قد يكون مجرد بداية لمرحلة جديدة تشهد شراكة مباشرة بين الحكومة والصناعة التقنية
شركات مثل NVIDIA وAMD وMicron قد تكون أهدافاً مستقبلية لمثل هذه الخطوات خصوصاً إذا تصاعدت التوترات مع الصين أو ظهرت تحديات جديدة في سلسلة الإمداد العالمية
الاسالة شائعة
لماذا استحوذت الحكومة الأمريكية على 10% من أسهم إنتل؟
لضمان الأمن القومي مواجهة الصين تعزيز التصنيع المحلي وحماية الوظائف
هل يعني هذا أن إنتل أصبحت شركة حكومية؟
لا الشركة لا تزال خاصة ومدرجة في البورصة لكن الحكومة أصبحت أحد المساهمين الكبار
كيف سيؤثر هذا على أسعار الأجهزة الإلكترونية؟
قد يساهم في استقرار الأسعار على المدى الطويل بفضل زيادة الإنتاج المحلي
هل ستتدخل الحكومة في إدارة إنتل؟
من غير المتوقع أن تدير الحكومة الشركة بشكل مباشر لكن نفوذها سيظهر في القرارات الاستراتيجية الكبرى
هل يمكن أن نشهد استثمارات مشابهة في شركات أخرى؟
نعم خصوصاً في مجالات الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات
الخلاصة
استحواذ الحكومة الأمريكية على حصة 10% في إنتل ليس مجرد صفقة مالية بل رسالة للعالم بأن الولايات المتحدة لن تترك صناعة الشرائح رهينة بيد آسيا أو أي قوى أخرى إنه إعلان عن دخول الدولة نفسها لاعباً أساسياً في ميدان التكنولوجيا في خطوة قد تغيّر مستقبل هذه الصناعة لعقود قادمة
بالنسبة للمستقبل يبقى السؤال الأهم هل سيؤدي هذا التدخل إلى نهضة حقيقية في صناعة المعالجات الأمريكية أم أننا سنشهد صراعاً جديداً بين السياسة والابتكار؟